من سلسلة نسب المسيح
بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد،
لطالما سمعتُ ورددتُ الحكمة القائلة "إن من المعضلاتِ إيضاحُ الواضحاتِ" ولم أتيقن عُمق وصحة هذه الحكمة إلا عندما بدأت في الرد على القِس المُبَجّل منيس عبد النور
وبالأخص في موضوع الدفاع عن سلسلة النسب المخترعة للمسيح عليه السلام فيما يُسمى بالكتاب المُقَدّس، فلقد كتبت الرد أكثر من مرة وبأكثر من طريقة وتَحيّرت أيها أعتمد حتى فتح اللهُ عليّ بما يلي:-
أقول مُستعيناَ بالله، يقول الله عز وجل في سورة مريم "يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا"
في هذه الآية دلالتين أولاهما أن مريم عليها السلام امرأة عفيفة صالحة كما كان هارون عليه السلام فهي أُخته في الصلاح، وكما قال القس في رده على إحدى اعتراضات سفر التكوين
حول كلمة أخ : " كلمة أخ لها معنى أوسع من المعنى الحرفي، فالأخ هو القريب روحياً أو جسدياً (قارن العدد 40: 14 وراعوث 4: 13) " وثانيهما أنه تُوجد علاقة ما بين مريم وهارون عليهما السلام فالقرآن هو كلام الله العليم وكلماته مُطلقة الصِحة والدقة. فما هي العلاقة بين هارون ومريم عليهما السلام؟ وحيثُ أن ما يُسمى بالكتاب المُقدس هو مرجع مقبول عند النصارى
وكذلك هو مرجع شبه مقبول عندنا، فيما لا يمُس العقيدة ولا يُناقض العقل والمنطق، لذا سنبحث عن الإجابة هناك.
نقرأ في سفر العدد الإصحاح السادس والثلاثون الأعداد الثامن والتاسع ما يلي:
العدد 36 : 8 وكل بنت ورثت نصيبا من أسباط بني إسرائيل تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها لكي يرث بنو إسرائيل كل واحد نصيب آبائه العدد 36 : 9 فلا يتحول نصيب من سبط إلى سبط آخر بل يلازم أسباط بني إسرائيل كل واحد نصيبه فيُعلم لدينا أن الزواج يكون في نطاق السبط حتى لا تختلط الأنساب وتضيع الحقوق، ومن هنا نعلم أن مريم عليها السلام، وهي من بيت صلاح وتقوى، تقيدت بتعاليم الشريعة وتزوجت،هذا إذا صحَ أنها تزوجت، من نفس سبطها. أي أن يوسف النجار من نفس سبط مريم عليها السلام.
ولكن من أي الأسباط مريم عليها السلام؟
وللإجابة على هذا السؤال علينا مرة أخرى أن نرجع لما يُعرف بالكتاب المُقدس فنقرأ في إنجيل لوقا ما يلي:
لوقا 1 : 5 كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة ابيا وامرأته من بنات هرون واسمها اليصابات.
من هنا نعلم أن أليصابات زوجة زكريا هي من سبط هارون عليه السلام أي من سبط لاوي بن يعقوب.
وبالعودة مرة أخرى للإنجيل نقرأ في لوقا ما نصه:
لوقا 1: 34 فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلا
لوقا 1: 35 فأجاب الملاك وقال لها.الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله
لوقا 1: 36 وهوذا اليصابات نسيبتك هي أيضا حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا.
ومن هنا نعلم أن اليصابات هي من أقارب مريم عليها السلام، ومهما كانت هذه القرابة ومهما عَنَت كلمة نسيبتك فهما من نفس السبط. مما يعني أن مريم عليها السلام هي من سبط لاوي بن يعقوب، مما يعني وبلا أدنى شك أن النسبيين المُختلقين في إنجيلي متّى ولوقا ليسا صحيحين ولا علاقة لهما لا بمريم ولا بعيسى عليهما السلام ولا حتى بيوسف النجّار.
وفي هذا ما يكفينا للرد على القس الدكتور منيس. ولكن كما قلتُ سابقاً فقد كنتُ قد كتبت الكثير في التعليق على هذا النسب وحرصاً مني على إفادة القارئ أولاً وعلى عدم ضياع جهدي ثانياً سألحق ما كتبت بهذا الرد المُختصر.
-------------------------
نقطة نظام: كثيراً جداً ما يعترض النصارى علينا نحن المسلمين عندما نصفهم أو نناديهم بالكُفّار، ثم يُنادوننا بالتسامح واختيار الألفاظ التي، على حسب زعمهم، تدعو للوحدة والتقارب. نحن نعلم أن الكُفر هو عكس الإيمان فإذا قلت أن فلان كافر فأنت تعني أنه غير مؤمن، وأنا هنا الفت نظر القارئ الكريم إلى العبارة التي يصفنا بها القس المُبَجّل أي عبارة "قال المعترض الغير مؤمن" وأنا أسئلة وأسأل عامة النصارى ما معنى هذه العبارة؟.
الحوار بيني وبين القس المُبَجّل سيدور على النحو التالي
سأكتب رد القس المُحترم ثم سأعلق عليه نقطة تلو الأخرى. بدأ قسنا العزيز الرد بطرح خمسة نقاط، يرى أنها قواعد ثابتة لا تقبل النقاش وبالتالي سيبني عليها ردوده فقال:
" قبل أن نورد سلسلة اعتراضات المعترضين على سلسلة نسب المسيح، نقدم الملاحظات العامة التالية: "
ثم بدأ بالنقطة الأولى على النحو التالي :-
1- كان اليهود مولعين بسلسلة أنسابهم ولعاً كبيراً، ليثبتوا أنهم من شعب الله المختار، وليكون لهم الحق في الأرض بالميراث، وليتمكن الكاهن من ممارسة عمله الديني باعتباره من سبط لاوي. وبلغ من شدة تدقيقهم أنهم احتفظوا بسلسلة كاملة مكتوبة لأنسابهم، ورذلوا كل من لم يجدوا اسمه مكتوباً فيها (عزرا 2: 62). ومن هذا يتضح أنه لو كان هناك أي خطأ في سلسلة نسب المسيح كما ذكرها متى ولوقا، لهاجمها اليهود منذ القرن المسيحي الأول، لأن المسيحيين لم يكتفوا بأن ينسبوا للمسيح كهنوتاً، ولا منحوه أرضاً، لكنهم قالوا إنه المسيح الآتي المنتظر مخلّص العالم. ولو كان هناك أي خطأ لهبَّ اليهود لكشفه فوراً. وهذه النقطة من أقوى البراهين على أن سلسلة نسب المسيح في متى ولوقا، كما هي عندنا، صحيحة تماماً. فالصَّمت عن المهاجمة دليل الصحّة.
وأقول مستعيناً بالله : أولاً سأضع النص الذي يستشهد به حتى نقرأه ونرى مدى ملاءمته للموضع:
عزرا 2 : 62 هؤلاء فتشوا على كتابة أنسابهم فلم توجد فرذلوا من الكهنوت.
فكما ترى أيها القارئ العزيز إن النص موضع الاستشهاد يتكلم عن أناس غير معلومي النسب نهائياً، أي لا توجد لديهم قوائم تُثبت أنسابهم، وهذا بعيد عن موضوع الاعتراض على سلسلة نسب المسيح عليه السلام كما ستلاحظون عند مناقشة الاعتراضات. ثم أننا لم نعترض على أن المسيح من نسل بني إسرائيل ولم نشكك في ذلك، بل يسعدنا أن يكون من أكرم سلالات البشر، نحن نُشكك في السلسلة المُفتراة لنسبه ونوضح الأخطاء التي فيها لأن هدفنا هو إظهار حقيقة أن هذا الكلام المنسوب لله هو مجرد افتراء على الله سبحانه وتعالى. ثانياً نُذكر قسنا العزيز أن أنساب كبار الكهنة قد ضاعت في عمليات السبي الثلاث لبني إسرائيل فكيف بنسب يوسف النجار المسكين؟؟.
يقول قسنا العزيز أنه لو كان هناك أي خطأ في سلسلة نسب المسيح لهب اليهود لكشفه فوراً، وهنا قسنا العزيز يتكلم وكأن إنجيلي متّى ولوقا كانا متوفرين في المكتبات العامة وربما في رابط amazon.com))، ويتناسى القس المحترم أن لوقا نفسه وهو من مؤسسي العقيدة النصرانية لم يطّلِع على إنجيل متّى وإلا لما وقعا في هذا التناقض الذي حير علماء النصارى ألفي سنة، والكلام عن إنجيل متّى ومدى مصداقية نسبه للحواري متّى يطول وموضعه ليس هنا.
ثم أن تقرير قسنا العزيز بأنه لا يوجد هجوم على سلسلة نسب المسيح في القرن النصراني الأول هو تقرير مردود بوجهين:
الأول: أنه لا توجد مراجع يعول عليها تعود للقرن النصراني الأول نعتمد عليها في الحكم، حتى أن أصول الأناجيل مفقودة والموجود هو تراجم تعود للقرن الرابع الميلادي.
الثاني: أن اكستاين (من مراجع القرن الرابع الميلادي) قال أنه صُرِّحَ في بعض الكتب التي كانت موجودة في عهده أن مريم عليها السلام من قوم لاوي، مما يشير إلى وجود جِدال حول الموضوع منذ ذلك العهد، وبالتأكيد قبله أيضا، ونحن نعلم أن القرن الرابع الميلادي هو القرن الذي تشكلت فيه العقيدة النصرانية، خصوصاً بعد اعتناق قسطنطين إمبراطور الرومان لها والذي ساعد على دعم أفكار مُعينة وقمع الباقي مما أدى إلى اختفاء هذه الكتب التي تكلم عنها اكستاين وغيرها من الكتب التي شككت في نسب مريم عليها السلام، وما قصة آريوس عنّا ببعيد.
ثم بدأ القس المُبَجّل النقطة الثانية قائلاً:
2- هناك حقيقة تحيّر القارئ اليوم، ولكنها كانت عادية للغاية عند اليهود، وهي أن الشخص الواحد كان يمكن أن يحمل اسم أبوين، وينتمي إلى سبطين، أحدهما بالميلاد الطبيعي، والثاني بالمصاهرة. فقد كان اليهود أحياناً ينسبون الرجل لوالد زوجته. ونجد هذا في أماكن كثيرة في العهد القديم، فيقول: ومن بني الكهنة، بنو حبايا، بنو هقّوص، بنو برزلاي الذي أخذ امرأة من بنات برزلاي الجلعادي، وتسمَّى باسمهم (عزرا 2: 61. قارن نحميا 7: 63). وحدث الأمر نفسه مع يائير بن حصرون الذي تزوج من ابنه ماكير أحد رؤساء منسّى، فسمُّوه يائير بن منسّى (1أخبار 2: 21 و22 و7: 14. قارن العدد 32: 40). وقارئ اليوم يتحيَّر في ذلك، ولكن قارئ التوراة من اليهود لم يكن يجد في ذلك ما يحيّر، لأنه يعرف عادات قومه، وعلى المعترض اليوم أن يدرس ويتروَّى قبل أن يهاجم ويعترض.
وأعلق على كلامه مستعيناً بالله: قسنا المُبجل يحاول أن يثبت وجهة نظره من الكتاب الذي نتهمه بالتحريف، وهنا ينطبق عليه القول أنت الخصمُ والحكمُ، نتمنى عليه أن يثبت لنا أن هذا كان من عادات اليهود عن طريق طرف ثالث. ثم أنه حتى بالاعتماد على الأدلة التي ساقها فإن ما يَثبُت أنه في بعض الحالات يجوز ذلك، إلا أنه ليس من عموم عادات اليهود.