كارثة الملك الذي يجمـع الأمـوال !!
فى فصل رائع فى مقدمة بن خلدون بعنوان : التجـارة من السـلطان مفسـدة , وللشعب مهلكـة !
يرى بن خلدون أن الغرض مرض وأن الملك الجبار الذي تنفتح شهيته على الاموال اذا طال عليه الزمـان يتحول الى جندي للشـيطان !! .. فلا يرحم مـن بـكى , ولا يجيب مـن أشـتكى , على أتم الاستعداد فى سبيل تكثير ثروته ان يدوس على الآباء والآمهات والبنين والبنـات !!
انـه أشـبه بالاخـطبوط , يفتـرس و يشـوط , يقاسم الناس فى الاموال ويضـغط عليهم بالجاه والسلطان ليسحق العظـام ويفتح الباب للحاشية والـذيـول لتنقض على رؤوس الامـول وتشـارك فى جميع الاعمـال ممـا يقضي على فرص التنافس والمساواة فى الاسـواق و يـؤدي الى التـكتـل و الاحتكـار ... و يكون هو - اي جناب السلطان - أول من يفرح بزيادة الاسـعار لان فى ذلـك زيـادة العمـولة على ما فرضـه بالحديد والنار على جميع السلع من الصـاروخ الى الحمـار !!
و تكون النتيجـة الكـارثية أن يدخـل فى نفـوس الشـعب الغـم و تزداد أمـراض الضـغط و ارتفاع الدم والهـم و تنظـر الرعيـة حولهـا فاذا البـلاد ليسـت لهـا و اذا الاراضـي والعقـارات وجميـع السـلع والحاجـات خـارج سـيطرتهـا وان انتـزاع كـل هذا الممتـلكات قـد تم مـن قبـل السـلطان و بطانتـه بأبخـس الاثمـان بمكائـد تم تدبيـرهـا بليـل !!
والكـارثـة تقـول : أختـي ..أختـي !! فيزداد الطيـن بلـة ويتفاقـم الكسـاد فـى الاسـواق وتـذهـب الغـربـان برؤوس الامـوال و تـدب عوامـل الهـرم والشـيخوخـة فى جسـد الدولـة وتـلوح فى الافـق نـذر خـراب الديـار : كل هذا من استغلال السلطان ! فتـدخـل الازمــة فى مرحلـة جديـدة , اذ تشـعر الرعيـة بالغليـان والرغبــة فى الثـوران و ازالـة مـلك ذلـك السـلطـان ممـا يجعلـه يأخـد موقفـا عـدائيـا و يصـير سـلوكـه نحـو شـعبه عدوانيا , وتنتابـه حـالـة من عدم الشـعور بالامـان فيحـول ما تبقى فى خزينـة الدولـة لشـراء أسـلحة وعدة وعتاد معتقـدا ان تسـليح حراسـة سـو ف يعيـد اليـه الامـان و الارتيـاح !!
وشيئا فشيئا يصبح الشـعب هو الخطـر الداخلـي ويصبـح العدو الخارجي هو الحليـف العطـوف الذي قـد ينفع وقـت الحاجـة !! ويسـول لـه الشـيطان ان ما جمعه من اموال لن يتمتع به الا خارج بلاده فيقوم بتحويل ما عنده من ثـروات الى بـلاد اقـام معهـا مصالح وعلاقـات !! و تتبـع الرأس الـذيـول !! ويصـحو الشـعب المنهـوب المسـلوب ذات صبـاح فيكتشـف ان السـلطان قـد فـر هو و الانجـال والبطانـة الى خـارج الحـدود ... فيضـرب كفـا بكف و يتمنـى ان يرزقـه اللـه بحاكم يتقي الله و بدلا من ان يهتم بجمع الاموال يهتم بحشـد و تربيـة الرجـال !!
رحم الله بن خالدون و لو كان موجودا بيننا لتبرأ ممن ينسـبون أنفسـهم اليه و يطلبون من اسـيادهم الامريكان ان يتدخـلوا فى سـياسـة الاوطـان !!