الخطيئة الأصلية
إن العقيدة الرابعة المسيحية هي الكفارة ، فإن المسيحية تعلن أنه بسبب معصية آدم بعدم طاعته لوصية الله بأن لا يأكل من شجرة المعرفة قد ارتكب خطأً .
وتوارث خطيئة آدم جميع ذريته . فجميع الجنس البشري مولودين خطاة . وإن عدالة الله تقتضي دفع الثمن لكل خطيئة . ولن يسمح الله ولا يقدر أن يبيح لخطيئة بسيطة دون قصاص . والآن فإن الشيء الوحيد لمحو الخطيئة هو سفك الدم . كما قال بولس في رسالته إلى العبرانيين [ 9 : 22 ] : (( وكل شئ تقريبا يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة ))
أيها القارىء الكريم :
ان مقولة المسيحيين بأن خطيئة آدم قد عمت سائر أولادهم وأنه لا يطهرهم من خطاياهم إلا صلب المسيح ، هي في الحقيقة مقولة باطلة تردها التوراة والنبوات ، وذلك أن التوراة تقول في سفر التكوين [ 4 : 6 ، 7 ] ان الله سبحانه وتعالى قال لقابيل الذي قتل هابيل : (( إنك إن أحسنت تقبلت منك وإن لم تحسن فإن الخطية رابظة ببابك )) وإذا كان الأمر كذلك فقد صار إحسان المحسن من بني آدم مطهراً له ومخلصاً ، فلا حاجة إلي شيىء آخر .
ألم يذكر الكتاب في خروج 40:12 أن الرب غفر لهارون خطأه ، وأمر بجعله وذريته كهنة على بني اسرائيل ؟!
وقد جاء في بداية المزمور الأول قول الرب : (( طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي لاَ يَتْبَعُ مَشُورَةَ الأَشْرَارِ، ولاَ يَقِفُ فِي طَرِيقِ الْخَاطِئِينَ، وَلاَ يُجَالِسُ الْمُسْتَهْزِئِينَ. بَلْ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ بَهْجَتُهُ، يَتَأَمَّلُ فِيهَا نَهَاراً وَلَيْلاًَ. فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي حِينِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ، وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يُفْلِحُ. ))
فقد أخبر الرب على لسان داود عليه السلام أن الاشتغال بأسباب الخير ومفارقة أهل الشر مخلص فلا حاجة إلي الخلاص عن طريق مسرحية قتل ابن الله .
ويقال للمسيحيين : ما تقولون فيمن كانوا قبل مجيىء المسيح ، أكفاراً كانوا أم مؤمنين ؟!
فإن قالوا : مؤمنين ، فقد اعترفوا أنه لا حاجة إلي قتل المسيح في تخليصهم ، إذ إيمانهم هو الذي خلصهم .
والكتاب المقدس يذكر لنا نماذج كثيرة لأولئك الذين قاوموا وقهروا الرغبات الشريرة وعاشوا حياتهم في وفاق مع إرادة الله ، مثال ذلك نبي الله أخنوخ فقد جاء في سفر التكوين [ 5 : 24 ] أن أخنوخ صعد حياً إلي السماء وأنه حي فيها ؟
يقول النص : (( وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد ، لأن الله أخذه ))
وإبراهيم الذي صار كلام الرب إليه في الرؤيا قائلا :
(( لا تخف يا أبرام أنا ترس لك . أجرك كثير جدا )) [ تكوين 11 : 1 ]
وإن قالوا : بل كفاراً ، أكذبهم المسيح إذ يقول في الإنجيل : (( «لَيْسَ الأَصِحَّاءُ هُمُ الْمُحْتَاجُونَ إِلَى الطَّبِيبِ، بَلِ الْمَرْضَى! 13اِذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَعْنَى الْقَوْلِ: إِنِّي أَطْلُبُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً. فَإِنِّي مَا جِئْتُ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خَاطِئِينَ! )) متى 9 : 12 ، مرقس 2 : 17 ، لوقا 5 : 31 ، 32
فإذا كان المسيح يصرح بأنه لم يأتي ليدعوا الابرار بل الخطاة فكيف تدعي المسيحية ان الناس كلهم خطاة ؟
ثم يقال لهم :
أخبرونا لو لم يتب آدم عليه السلام ولقي الله بخطيئته ، هل كان صلب المسيح يؤدي إلى خلاصه ؟!
فإن قالوا : لا ، أحالوا الخلاص إلى التوبة دون صلب المسيح .
وإن قالوا : نعم في دم المسيح خلاص لآدم ، وإن لم يتب ، فقد أخلوا التوبة عن الفائدة ، ولزم أن يكون كل فاجر فاسق قاتل ظالم مستبد مات ولم يتب قد نال الخلاص بموت المسيح !!! فتأمل
ومثل الكثير من العقائد المسيحية الأخرى ، فإن مبدأ توريث الخطيئة لا نجد له سنداً في كلمات يسوع المسيح ولا كلمات الأنبياء الذين جاءوا قبله .
لقد نادى الأنبياء بأن كل إنسان مسئول عن أعماله الشخصية ، فإن الأولاد لا يقتلون من أجل خطيئة الآباء . هكذا يقول الناموس الذي ما جاء المسيح لينقضه :
(( لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ عِوَضاً عَنِ الأَبْنَاءِ، وَلاَ يُقْتَلُ الأَبْنَاءُ بَدَلاً مِنَ الآبَاءِ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ يَتَحَمَّلُ وِزْرَ نَفْسِهِ )) ( تثنية 24 : 16 )
ونجد أن النبي إرميا يقول :
(( وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَنْ يَقُولَ أَحَدٌ : قَدْ أَكَلَ الآباء الْحِصْرِمَ فَضَرَسَتْ أَسْنَانُ الأَبْنَاءِ. بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، وَمَنْ يَأْكُلُ حِصْرِماً تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ. )) أرميا [ 31 : 29 ، 30 ] .
ويكرر حزقيال النبي الرفض لمبدأ الخطيئة الأصلية وغالبا بنفس كلمات إرميا فيقول :
(( وَأَوْحَى إِلَيَّ الرَّبُّ بِكَلِمَتِهِ قَائِلاً : «مَا بَالُكُمْ تَضْرِبُونَ هَذَا الْمَثَلَ بِشَأْنِ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: أَكَلَ الآبَاءُ الْحِصْرِمَ فَضَرِسَتْ أَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ؟ حَيٌّ أَنَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِنَّكُمْ حَتْماً لَنْ تَضْرِبُوا هَذَا الْمَثَلَ فِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ الْيَوْمِ. هَا جَمِيعُ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الابْنِ كِلْتَاهُمَا لِي. وَالنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِيءُ هِيَ تَمُوتُ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَرْءُ صَالِحاً يُمَارِسُ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ،وَلَمْ يَصْعَدْ إِلَى الْجِبَالِ لِيَأْكُلَ أَمَامَ الأَنْصَابِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى أَصْنَامِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَزْنِ مَعَ امْرَأَةِ جَارِهِ وَلَمْ يُعَاشِرِ امْرَأَةً طَامِثاً، وَلَمْ يَظْلِمْ أَحَداً، بَلْ رَدَّ لِلْمَدْيُونِ رَهْنَهُ، وَلَمْ يَسْلِبْ قَطُّ، وَأَطْعَمَ الْجَائِعَ خُبْزَهُ وَكَسَا الْعُرْيَانَ ثَوْباً، وَلَمْ يَقْرِضْ بِالرِّبَا وَلَمْ يَأْخُذْ حَرَاماً، وَكَفَّ يَدَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الإِثْمِ، وَقَضَى بِالإِنْصَافِ وَالْحَقِّ بَيْنَ إِنْسَانٍ وَإِنْسَانٍ. وَمَارَسَ فَرَائِضِي، وَأَطَاعَ أَحْكَامِي بِأَمَانَةٍ، فَهُوَ صِدِّيقٌ وَحَتْماً يَحْيَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ . )) حزقيال [ 18 : 1 ، 9 ]
... ويستطرد قائلا :
(( وَمَعَ ذَلِكَ تَقُولُونَ: لِمَاذَا لاَ يُعَاقَبُ الابْنُ بِوِزْرِ أَبِيهِ؟ حِينَ يُمَارِسُ الابْنُ الإِنْصَافَ وَالْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِكُلِّ فَرَائِضِي فَإِنَّهُ حَتْماً يَحْيَا. أَمَّا النَّفْسُ الَّتِي تُخْطِيءُ فَهِيَ تَمُوتُ. لاَ يُعَاقَبُ الابْنُ بِإِثْمِ أَبِيهِ وَلاَ الأَبُ بِإِثْمِ ابْنِهِ. يُكَافَأُ الْبَارُّ بِبِرِّهِ وَيُجَازَى الشِّرِّيرُ بِشَرِّهِ. )) حزقيال [ 18 : 19 ، 20 ]
ويقول أيضاً :
(( وَلَكِنْ إِنْ رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ خَطَايَاهُ كُلِّهَا الَّتِي ارْتَكَبَهَا، وَمَارَسَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَصَنَعَ مَا هُوَ عَدْلٌ وَحَقٌّ فَإِنَّهُ حَتْماً يَحْيَا، لاَ يَمُوتُ. وَلاَ تُذْكَرُ لَهُ جَمِيعُ آثَامِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا. إِنَّمَا يَحْيَا بِبِرِّهِ الَّذِي عَمِلَهُ. أَحَقّاً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ ؟ أَلَيْسَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ الآثِمَةِ فَيَحْيَا ؟ ))
[ حزقيال 18 :21 – 23 ] .
وفي القرآن الكريم يقول الله سبحانه :
((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ )) ( المدثر آية 38 )
ويقول ســبحانه :
(( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )) (الإسراء آية 15 ) .
عزيزي القارىء :
إن المسيح عليه السلام كان يعتبر الأولاد أبراراً وأنقياء ولم يولدوا خطاة وهذا واضح من تصريحاته التي يقول فيها :
(( دَعُوا الصِّغَارَ يَأْتُونَ إِلَيَّ، وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هَؤُلاءِ مَلَكُوتَ اللهِ! الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ كَأَنَّهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، لَنْ يَدْخُلَهُ أَبَداً!» ثُمَّ ضَمَّ الأَوْلاَدَ بِذِرَاعَيْهِ وَأَخَذَ يُبَارِكُهُمْ وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ. )) مرقص [ 10 : 13 – 16 ]
وهو القائل في متى الاصحاح الثامن عشر :
(( فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ يَسْأَلُونَهُ: «مَنْ هُوَ الأَعْظَمُ، إِذَنْ، فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟ 2فَدَعَا إِلَيْهِ وَلَداً صَغِيراً وَأَوْقَفَهُ وَسْطَهُمْ، 3وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَتَحَوَّلُونَ وَتَصِيرُونَ مِثْلَ الأَوْلاَدِ الصِّغَارِ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ أَبَداً. 4فَمَنِ اتَّضَعَ فَصَارَ مِثْلَ هَذَا الْوَلَدِ الصَّغِيرِ، فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. . . . 10إِيَّاكُمْ أَنْ تَحْتَقِرُوا أَحَداً مِنْ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ! فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاءِ يُشَاهِدُونَ كُلَّ حِينٍ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ ))
وقد كشف المسيح عن رسالته بأنها رسالة رحمة لا ذبحية فهو يقول :
(( اِذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَعْنَى الْقَوْلِ : إِنِّي أَطْلُبُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً. فَإِنِّي مَا جِئْتُ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خَاطِئِينَ! )) ( متى 9 : 13 ) .