كيف يؤمن مسيحيو فلسطين بالنصوص
التى تبيح دمائهم و اموالهم و أعراضهم
التى تبيح دمائهم و اموالهم و أعراضهم
هذه المقالة كتبها الدكتور / أحمد الطيب رئيس جامعة الازهر فى جريدة الاهرام الصادرة اليوم ،
و هى تلقى الضوء على نصوص الكتاب المقدس التى تدعو الى ابادة الشعوب ،
والتى كانت أساسا لكل عمليات الاستعمار القديم و كل الحروب الحديثة ، و الاهم هو السؤال عن كيفية تقبل مسيحيو فلسطين الايمان بنصوص " الهية " تدعو لابادتهم هم أنفسهم؟؟و فيما يلى المقالة :
لا يمكن للباحث في فلسفة الحروب أن يتجاهل ــ بحال من الاحوال ــ الفرق الشاسع بين آيات القرآن الكريم وآيات الكتاب المقدس حول بواعث الحروب وضوابطها ومآلاتها الأخلاقية,
ولا أن يتجاهل المسار اللاانساني الذي ارتضته حضارة الغرب في تدمير الحضارات الاخري, وهي تترنم بآيات العهد القديم في حركات هيستيرية, أو تمسك بالانجيل في يد والصليب في يد أخري,
مما حمل المؤرخين المنصفين علي اكتشاف التناقض الكبير بين انتشار حضارة الشرق وانتشار حضارة الغرب, وان انتشار الحضارة الثانية انتشار يعتمد الاستبداد, ويسعي الي احكام السيطرة علي العالم,
بعد ان يميز فيه بين مركز حضاري محوري متمثل في الغرب, وأطراف تابعة تدور في فلك هذا المركز الواحد, حضاريا واقتصاديا وثقافيا وايديولوجيا.
وتاريخ هذه الحضارة ــ قديما وحديثا ــ يصدق المؤرخين فيما يقولون,
وحسبك دليلا علي ذلك حضارة الرومان, وما كتب عن ديكتاتورياتها المتوحشة في فرض العقائد علي عقول الناس وقلوبهم, ثم الحروب الصليبية التي تمثل أول حركة منظمة ــ في التاريخ المقروء ــ تتبني دعوي واحدة تنشرها تحت ظلال السيوف: وقد مثلت الحملات الصليبية ــ تاريخيا ــ المرجعية الكبري
التي تستند اليها حركات الاستعمار في العصر الحديث, حيث أمدت الاستعمار الأوروبي الحديث بما سمي برسالة الرجل الأبيض في إصلاح أمم العالم,
وتم تحت هذا الشعار استعمار أوروبا لمعظم دول الشرق وهي الآن تلهم الاستعمار الأمريكي بنظريات ــ صراع الحضارات, ونهاية التاريخ, وتنصير المسلمين, وكثلكة العالم وغير ذلك, وكلها دعوات استعمارية في المقام الأول, وجدت في الكتاب المقدس ما يبرر لها نزعتها الاستعمارية والتسلطية.
ولعلنا لا نجاوز الحقيقة لو قلنا: ان قراءات الكنيسة الكاثوليكية للكتاب المقدس مسئولة الي حد كبير ــ عن إشعال نار الصراع العالمي الذي انطلقت شرارته الأولي في مواكب الحروب الصليبية المتكررة, ولا يزال العالم يصطلي بنيرانها حتي هذه اللحظة.
وقد لاحظ مؤرخ الحضارات الأشهر( ارنولد توينبي) ــ بحق ــ ان الاعتقاد نفسه الذي دفع بني اسرائيل قديما لإبادة الكنعانيين( اصحاب الأرض الأصليين),
بأمر من الرب( في الكتاب المقدس) هو ايضا الذي دفع البريطانيين للاستيلاء علي امريكا الشمالية وايرلندا الشمالية واستراليا, ودفع الهولنديين للاستيلاء علي جنوب افريقيا, والألمان للاستيلاء علي بولندا, والصهاينة للاستيلاء علي فلسطين,
ولو كان توينبي حيا الآن لما تردد لحظة في الحكم بأن الاعتقاد نفسه هو ايضا ما يدفع السياسة الأنجلو أمريكية لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية في العراق وافغانستان ولبنان ودارفور وغيرها من مناطق التوتر في الشرق الاسلامي.
وانت حيثما نظرت الي هذه البؤر الملتهبة فإن عينك لا تخطئ ان عقيدة ما من عقائد الكتاب المقدس تشعل هذا الصراع الدامي, وتبعثه في هذه البقعة أو تلك.
وانظر الي مأساة فلسطين التي مضي عليها الآن أكثر من نصف قرن من الزمان: هل يرتاب احد في ان صانعيها ينطلقون من مفهوم بأن نصوص توراتية واوامر إلهية صريحة تأمر بتدمير المدن, والقضاء بحد السيف علي كل من فيها من رجال ونساء واطفال وشيوخ, حتي البقر والغنم والحمير,
وهذه الدماء التي تهدر كالشلالات علي ثري العراق الحزين, الم نقرأ ان معتقدات دينية تسكن في عقول هؤلاء الذين يتصدرون قيادة العالم الآن ويعيدون رسم خرائطه دون رقيب او حسيب؟!
إن بات روبرتسون النجم الأمريكي اللامع في الدعوة الي اعتناق البروستانتينية الايفانجيليكية يبلغ عدد اتباعها في أمريكا80 مليونا يعلن ان غزو اسرائيل للبنان عام1982 م إنما هو تطبيق عملي لنبوءة الكتاب المقدس, وان اسرائيل حين تنفذ هذا الهجوم إنما تعيد رسالة يشوع في العصر الحديث.
والأب مايكل بريور ينقل في الكتاب المقدس والاستعمار أن الرئيس كلينتون حين أعلن للعالم أن الشعبين: الفلسطيني والاسرائيلي سيقتسمان مستقبلا
كان كلامه مبنيا علي تعاليم التوراة والقرآن والكتاب المقدس ــ كان قلقا من الناحية الدينية علي مشروعه, وانه في الليلة السابقة لإلقاء خطابه هب من نومه مضطربا في الثالثة صباحا واعاد قراءة سفر يشوع كاملا, وبعضا من أسفار العهد الجديد,
حتي يطمئن الي انه لم يتجاوز حدود المسموح به من سفر يشوع: وليس ببعيد عنا ما افصح به الرئيس بوش عن مشاعره وعقله الباطن حين وصف الحرب في11 سبتمبر بأنها حرب صليبية..
لكن المأزق الحقيقي الذي يثيره عالم اللاهوت الفلسطيني: نعيم عتيق هو: كيف يقرأ المسيحي الفلسطيني نصوص العهد القديم المتعلقة باسطورة أرض الميعاد.
وكيف يؤمن بها وهي تبيح دمه وأرضه وعرضه ــ بلا ثمن ــ للاسرائيليين؟
ولنترك حالة المسلمين الفلسطينيين جانبا ونتساءل: ماذا يفعل المسيحيون الفلسطينيون؟
هل يؤمنون بنصوص سفر يشوع وعليهم حالتئذ ان يستسلموا طائعين للابادة الجماعية التي يمارسها الجيش الاسرائيلي او يقاوموا كما قاوم أجدادهم الكنعانيون,
ثمتئذ عليهم ان يديروا ظهورهم لهذه النصوص؟! وكيف والإيمان بالعهد القديم جزء لا يتجزأ من الإيمان المسيحي؟! أم سيقولون مع عالمة اللاهوت الصينية بويلان ــ فيما ينقل بريور ــ إنها لا تستطيع أن تؤمن بإله يأمر بإبادة الكنعانيين في الماضي, ولا يستمع لبكاء الفلسطينيين منذ نصف قرن في عصرنا هذا؟!