من إنجيل متى [ 27 : 9 ]
ورد في متى [ 27 : 9 ] قوله : (( حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل : وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمَّن الذي منوه من بني إسرائيل ))
من تأمل في استشهاد متى لهذه العبارة من سفر أرميا ، يرى أنها من الكذب العظيم لأن العبارة المستشهد بها موجودة في سفر زكريا وليس سفر إرميا كما ذكر متى !!! فيكون لفظ إرميا غلط، فاحش . فليزم من هذا أن ما كتبه متى ، لم يكن بطريق الإلهام .
وقد اعترف المستر جوويل ، في كتابه المسمى (( بكتاب الأغلاط )) المطبوع سنة 1841 أنه غلط من متى ، وأقر به هورون في تفسيره المطبوع سنة 1822 حيث قال : في هذا النقل إشكال كبير جداً لأنه لا يوجد في كتاب إرميا مثل هذا ويوجد في [ 11 : 12 ، 13 ] من سفر زكريا لكن لا يطابق ألفاظ متى ألفاظه .
وقد حاول القس الدكتور منيس عبد النور رفع هذا الخطأ الفاحش فقال :
وللرد نقول بنعمة الله : (1) من اصطلاحات علماء اليهود القديمة أنهم كانوا يقسمون الكتب المقدسة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول شريعة موسى، وكانوا يسمونها الشريعة . والقسم الثاني المزامير ، والقسم الثالث قسم الأنبياء ويُسَمَّى إرميا، من إطلاق اسم سفر من الجزء على الكل. وسبب تسمية قسم الأنبياء إرميا أنهم ذكروا نبواته أول الأنبياء على هذا الترتيب: إرميا وحزقيال وإشعياء، ثم نبوات الأنبياء الصغار الأثنى عشر. فقول متى: تمّ ما قيل بإرميا النبي يشمل زكريا. والعبارة التي استشهد بها هي واردة في زكريا 11: 12 و13.
(2) قُرىء في هذا المكان زكريا لأنه جرت العادة أن يكتبوا كلمة إرميا باللغة اليونانية ايريو وكلمة زكريا زيريو ، وربما نشأ هذا الاختلاف عن ذلك.
(3) ذهب البعض إلى أن إرميا هو الذي تكلم بهذه الكلمات، وأن زكريا نقل عنه. فاستشهاد البشير متى بإرميا هو في محله على أي حالة كانت.
------------------------
وللرد على سيادة القس منيس عبد النور نقول :
نبدأ أولاً بسرد العبارة الواردة في زكريا 11 : 11-14 بحسب ترجمة الفاندايك :
(( فنقض في ذلك اليوم وهكذا علم أذل الغنم المنتظرون لي إنها كلمة الرب. فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي والى فامتنعوا. فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة. فقال لي الرب القها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به. فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب. ثم قصفت عصاي الأخرى حبالا لانقض الإخاء بين يهوذا وإسرائيل ... ))
يزعم سيادة القس بأن اليهود كانوا يسمون القسم الثالث قسم الأنبياء ، ويسمى ارميا حيث أنهم ذكروا نبواته أول الأنبياء في الترتيب، وهذا غير صحيح فلم أجد في كتابات اليهود إن قسم الأنبياء كان يسمى ارميا ، بل إن اليهود أنفسهم يذكرون النص لإثبات خطأ كاتب إنجيل متى في استشهاده للآيات ، وان قسم الأنبياء ( النبيئيم ) لدى اليهود ينقسم إلى :
أ - الأنبياء الأولون وأولهم يشوع
ب - الأنبياء المتأخّرون وأولهم إشعياء ... وقد نقل هذا التقسيم عنهم الكاتب المسيحي جوش ماكدويل في كتابه ( كتاب وقرار )
فلماذا هذا الاستخفاف بعقول القراء من قبل سيادة القس ، انظر الموقع اليهودي التالي الذي يرد على النصارى :
The Truth in the Christian Bible ? :
http://www.jewsforjudaism.org
إما الرد الثاني و الثالث فليس هناك أي دليل على صحتهما، فجميع نسخ الكتاب المقدس تحتوي على "زكريا" لا "ارميا". و أما بالنسبة لزعم القس بأن ارميا هو الذي تكلم بهذه الكلمات ، وان زكريا نقل عنه ، فحسب التدله من داخل إنجيل متى، انه عندما يقول كاتب إنجيل متى : " حينئذ تم ما قيل " فهو يعني إن هذه الآيات مذكورة في ذلك السفر وليس كما يدعي سيادة القس . و إليكم بعض الأمثلة التي تثبت بطلان زعم القس الفاضل :
1) متى إصحاح 2 العدد 17: (( حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل . صوت سمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير .راحيل تبكي على أولادها ولا تريد إن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين )) وهو استشهاد للفقرة الموجودة فعلاً في ارميا 31 : 15 .
2) متى إصحاح 3 العدد 3 : (( فان هذا هو الذي قيل عنه باشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب .اصنعوا سبله مستقيمة )) وهو استشهاد للفقرة الموجودة فعلاً في إشعياء 40 : 3 .
فإذا كان ادعاء سيادة القس صحيحا فلماذا لم يقل متى : فان هذا هو الذي قيل عنه بارميا النبي القائل ، بما إن سفر إشعياء النبي يدخل ضمن قسم كتب الأنبياء. كما يزعم سيادة القس . . . انظر إلى الموقع اليهودي و الذي يحتوي على الأسفار العبرية مقسمة بحسب تفكيرهم :
The Jewish Bible:
http://www.breslov.com/bible
ونقطة أخرى، انه لو قمنا بالتدبر في النص الوارد في زكريا لوجدنا إن الرواية ليست بنبوة عن المسيح، فليس في النص أي تلميح لا من قريب أو بعيد للمسيح القادم. لكن كل الذي حدث هو إن كاتب إنجيل متى لفق القصة حول بيع المسيح بثلاثين قطعة من الفضة –بل قد تكون قصة الخائن يهوذا الاسخريوطي ملفقه أيضا - و ادعى إنها تحقيق للرواية الواردة في زكريا. كباقي بعض النبوات المزعومة !!
وكفى دليلاً على كذبه أنه نقل النص المذكور خلاف ما هو محرر في الأصل ونسبه إلى إرمياء مع أنه من زكريا فذلك هو شأن المدلسين .
ويبين الأستاذ أحمد عبد الوهاب في كتابه ( المسيح في مصادر العقائد المسيحية ) الفهم الخاطئ لهذه النبوءة التي استشهد بها متى في إنجيله فيقول :
يتكلم سفر زكريا عما حدث بينه وبين شعبه فيقول في [ 11 : 12] : (( قُلْتُ لَهُمْ: إِنْ طَابَ لَكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي، وَإِلاَّ فَاحْتَفِظُوا بِهَا. فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ شَاقِلاً مِنَ الْفِضَّةِ. فَقَالَ الرَّبُّ لِي: أَعْطِ هَذَا الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ إِلَى الْفَخَّارِيِّ. فَأَخَذْتُ الثَّلاَثِينَ قِطْعَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى الْفَخَّارِيِّ. ))
لكن إنجيل متى يربط بين هذه الحادثة التي وقعت لزكريا ، وبين ما قاله عن يهوذا الذي خان المسيح نظير ثمن قليل من الفضة _ فبقول في [ 27 : 3 _ 10 ] : (( فَلَمَّا رَأَى يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ قَدْ صَدَرَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ قِطْعَةً مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ، وَقَالَ: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُكُمْ دَماً بَرِيئاً». فَأَجَابُوهُ: لَيْسَ هَذَا شَأْنَنَا نَحْنُ، بَلْ هُوَ شَأْنُكَ أَنْتَ! فَأَلْقَى قِطَعَ الْفِضَّةِ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ ذَهَبَ وَشَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ قِطَعَ الْفِضَّةِ وَقَالُوا: هَذَا الْمَبْلَغُ ثَمَنُ دَمٍ، فَلاَ يَحِلُّ لَنَا إِلْقَاؤُهُ فِي صُنْدُوقِ الْهَيْكَلِ! وَبَعْدَ التَّشَاوُرِ اشْتَرَوْا بِالْمَبْلَغِ حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ لِيَكُونَ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ، . . . عِنْدَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِلِسَانِ النَّبِيِّ إِرْمِيَا الْقَائِلِ : وَأَخَذُوا الثَّلاَثِينَ قِطْعَةً مِنَ الْفِضَّةِ، ثَمَنَ الْكَرِيمِ الَّذِي ثَمَّنَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَدَفَعُوهَا لِقَاءَ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ.))
وليست مشكلة هذه الشهادة أن كاتب إنجيل متى أخطأ فيها من حيث الشكل والإطار العام ، حين حسبها من سفر إرميا بينما هي من سفر زكريا ، لكن فيها أخطاء موضوعية تتضح لنا حين نقارن بين عناصرها ، والعناصر التي تحتوي عليها قصة هلاك يهوذا الخائن ، في متى ، فنجد أن القصتين على طرفي نقيض ، ولا يمكن أن تكون _ قصة زكريا صورة مطابقة سبق التنبؤ بها للقصة الثانية التي ذكرها متى عن نهاية يهوذا _ ذلك أن :
بطل قصة زكريا هو نبي كريم يتلقى الوحي من الله ، بينما بطل قصة متى هو شخص خائن حقير صارت خيانته مثل سوء في العالم .
ولقد تسلم زكريا 30 من الفضة ثمناً كريماً ارتضاه الله لصنيعه مع شعبه ، بينما كانت الفضة التي تسلمها يهوذا ثمناً خسيساً يرفضه كل الناس بما فيهم يهوذا الخائن نفسه ، الذي ندم على فعلته وأرجع ثمن الخيانة في خزينة الرب .
ولما كانت فضة زكريا ثمناً كريماً فأنها قبلت في بيت الرب ، أما فضة يهوذا ، فكما أنها رفضت من يهوذا نفسه ، فأنها رفضت كذلك من كهنة اسرائيل الذين أبوا أن يقبلوها في خزينة الرب ، لأنها ثمن رجس على شاكلة ما حرمته شريعة موسى كما في تثنية [ 23 : 18 ] .
وجدير بالذكر أن مرقس [ 14 : 10 _ 11 ] لم يحدد قيمة ثمن الخيانة وكذلك لوقا [22 : 4 _6 ]
ومن هذا تتبين أن متى قد أنفرد عن بقية الأناجيل ومنها يوحنا بتحديد ثمن الخيانة بثلاثين من الفضة وما ذلك إلا لأن فقرة زكريا التي تكلمت عن 30 من الفضة والفخاري كانت في ذاكرة متى وهو يكتب إنجيله ، ولهذا قرر اعتبارها شهادة عن نهاية الخائن يهوذا .
ولا نظن أحداً لديه شك في هذه الشهادة التي ساقها متى خاطئة شكلاً وموضوعاً . فثبت أن متى يكتب من غير إلهام .