إنجيل يهوذا أحدث الأناجيل
اكتشافاً
زلزال.. يضرب العقيدة النصرانية
اكتشافاً
زلزال.. يضرب العقيدة النصرانية
ديمة الجاب
غلاف المجتمع العدد 1709
زلزال كبير يضرب أساس
العقيدة النصرانية أحدثته الترجمة الإنجليزية التي ظهرت حديثاً لما يسمي بإنجيل
"يهوذا الإسخريوطي"، الذي تم اكتشافه مكتوباً باللغة القبطية على 13 بردية مصرية
عام 1970م في صعيد مصر، وقام العالم الأمريكي "رودولف كسير" بترجمته من القبطية إلى
الإنجليزية، وقام بنشرها في مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" الأمريكية الشهرية في عدد
مايو الماضي(1).
وهو ما أحدث ضجة كبرى بما فيه (الإنجيل) من معالم جديدة تضرب
أساس العقيدة النصرانية من حيث صلب المسيح.. وتكذب ماجاء في الأناجيل المعتمدة في
العالم عن الصلب وعن يهوذا الإسخريوطي وغيرها.
وأهمية الموضوع بالنسبة إلينا
نحن المسلمين تكمن في أنه يقدم دليلاً جديداً من خلال نصوص الإنجيل الجديد على
تناقض الأناجيل، وعلى أن بعضها يكذب بعضاً، رغم أنها جميعاً مليئة بالأساطير وتروج
لعقيدة فاسدة هي الصلب كأساس للعقيدة المسيحية ولربوبية المسيح وبنوته لله وهذا شرك
بالله.
وم بنشرها لهذا الموضوع تقدم صورة للتناقضات والاختلافات، التي تتسع
بمرور الزمن بين الأناجيل محدثة اهتزازات داخل الكنيسة.. الأمر الذي يجعل المسلم
يحمد الله على نعمة الإسلام وعقيدة التوحيد.
فما كادت الضجة التي أحدثها كل من
فيلم ورواية "شيفرة دافنشي"، بما فيهما من نقاط مثيرة تتعلق بتاريخ المسيحية تنتهي
حتى طلعت علينا مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" الأمريكية (2) في عدد مايو 2006م بحدث
جديد لا يقل إثارة للقلق المسيحي عن الرواية والفيلم المذكورين، ألا وهو الانتهاء
من ترجمة أحدث أناجيل النصارى اكتشافاً "إنجيل يهوذا"،
الذي وجد في مغارة في
الصحراء المصرية مكتوباً بالقبطية على أوراق بردي، بلغ عددها 13 ورقة. و"رودولف
كسير" الذي قام بترجمة الإنجيل عن القبطية هو واحد من خمسة علماء باقين يقرؤون هذه
اللغة(3).
وعلى عكس القرآن الكريم الذي دُون وروجع في حياة سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم، فإن الإنجيل، كلمة الله التي أوحاها لعيسى عليه السلام، لم يدون أو يقنن
إلا بعد وفاة نبي الله عيسى عليه السلام ب 325 عاماً على أقل التقديرات.
فقبل أن
ينعقد المجلس المسكوني الأعلى الأول كان الإنجيل عبارة عن مدونات من أوراق البردي،
كتبت كل مدونة منها على يد أحد حواريي المسيح أو غيرهم من أتباعه، وظل الإنجيل يدون
بروايات متعددة ومختلفة بلغت قرابة الستين رواية!. وكان "أحد أهم مهام المجلس
المسكوني أن يقرر: أي من هذه الأناجيل سيكون فيما بعد هو الكتاب المقدس للديانة
الجديدة، ولذلك أعطيت أوامر بالتخلص من الأناجيل التي لا توافق سياسة الإمبراطور
الروماني الوثني "قسطنطين"، والذي بقي تعرض للتعديل"(4).
أما الأناجيل التي لم
يقننها المجلس فقد اعتبرت هرطقةً أو نوسطيةً أو كذباً يجب التخلص منه. وعلى إثر
ذلك، سارع مُلاّك الأناجيل غير المعتمدة بإخفائها، إما خشية على أنفسهم من ملاحقة
الكنيسة لهم بتهمة الهرطقة، أو خشية على الأناجيل التي في حوزتهم.
ورغم مرور
عشرات القرون على إخفاء تلك الأناجيل، فإن عمليات البحث والتنقيب في الأراضي
المقدسة ما زالت تكشف كل فترة وأخرى عن واحد منها لتثير ضجيجاً وتعيد التساؤلات
للأذهان.
قسطنطين والإنجي
العقيدة النصرانية أحدثته الترجمة الإنجليزية التي ظهرت حديثاً لما يسمي بإنجيل
"يهوذا الإسخريوطي"، الذي تم اكتشافه مكتوباً باللغة القبطية على 13 بردية مصرية
عام 1970م في صعيد مصر، وقام العالم الأمريكي "رودولف كسير" بترجمته من القبطية إلى
الإنجليزية، وقام بنشرها في مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" الأمريكية الشهرية في عدد
مايو الماضي(1).
وهو ما أحدث ضجة كبرى بما فيه (الإنجيل) من معالم جديدة تضرب
أساس العقيدة النصرانية من حيث صلب المسيح.. وتكذب ماجاء في الأناجيل المعتمدة في
العالم عن الصلب وعن يهوذا الإسخريوطي وغيرها.
وأهمية الموضوع بالنسبة إلينا
نحن المسلمين تكمن في أنه يقدم دليلاً جديداً من خلال نصوص الإنجيل الجديد على
تناقض الأناجيل، وعلى أن بعضها يكذب بعضاً، رغم أنها جميعاً مليئة بالأساطير وتروج
لعقيدة فاسدة هي الصلب كأساس للعقيدة المسيحية ولربوبية المسيح وبنوته لله وهذا شرك
بالله.
وم بنشرها لهذا الموضوع تقدم صورة للتناقضات والاختلافات، التي تتسع
بمرور الزمن بين الأناجيل محدثة اهتزازات داخل الكنيسة.. الأمر الذي يجعل المسلم
يحمد الله على نعمة الإسلام وعقيدة التوحيد.
فما كادت الضجة التي أحدثها كل من
فيلم ورواية "شيفرة دافنشي"، بما فيهما من نقاط مثيرة تتعلق بتاريخ المسيحية تنتهي
حتى طلعت علينا مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" الأمريكية (2) في عدد مايو 2006م بحدث
جديد لا يقل إثارة للقلق المسيحي عن الرواية والفيلم المذكورين، ألا وهو الانتهاء
من ترجمة أحدث أناجيل النصارى اكتشافاً "إنجيل يهوذا"،
الذي وجد في مغارة في
الصحراء المصرية مكتوباً بالقبطية على أوراق بردي، بلغ عددها 13 ورقة. و"رودولف
كسير" الذي قام بترجمة الإنجيل عن القبطية هو واحد من خمسة علماء باقين يقرؤون هذه
اللغة(3).
وعلى عكس القرآن الكريم الذي دُون وروجع في حياة سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم، فإن الإنجيل، كلمة الله التي أوحاها لعيسى عليه السلام، لم يدون أو يقنن
إلا بعد وفاة نبي الله عيسى عليه السلام ب 325 عاماً على أقل التقديرات.
فقبل أن
ينعقد المجلس المسكوني الأعلى الأول كان الإنجيل عبارة عن مدونات من أوراق البردي،
كتبت كل مدونة منها على يد أحد حواريي المسيح أو غيرهم من أتباعه، وظل الإنجيل يدون
بروايات متعددة ومختلفة بلغت قرابة الستين رواية!. وكان "أحد أهم مهام المجلس
المسكوني أن يقرر: أي من هذه الأناجيل سيكون فيما بعد هو الكتاب المقدس للديانة
الجديدة، ولذلك أعطيت أوامر بالتخلص من الأناجيل التي لا توافق سياسة الإمبراطور
الروماني الوثني "قسطنطين"، والذي بقي تعرض للتعديل"(4).
أما الأناجيل التي لم
يقننها المجلس فقد اعتبرت هرطقةً أو نوسطيةً أو كذباً يجب التخلص منه. وعلى إثر
ذلك، سارع مُلاّك الأناجيل غير المعتمدة بإخفائها، إما خشية على أنفسهم من ملاحقة
الكنيسة لهم بتهمة الهرطقة، أو خشية على الأناجيل التي في حوزتهم.
ورغم مرور
عشرات القرون على إخفاء تلك الأناجيل، فإن عمليات البحث والتنقيب في الأراضي
المقدسة ما زالت تكشف كل فترة وأخرى عن واحد منها لتثير ضجيجاً وتعيد التساؤلات
للأذهان.
قسطنطين والإنجي
الدور الذي لعبه قسطنطين، الإمبراطور
الروماني الوثني، في تشكيل المسيحية بصيغتها التي نعرفها اليوم وكذلك دوره ورجال
الدين في اعتماد أناجيل محددة دور كبير ولاشك، وإن كان مرجعه رغبة الإمبراطور في
الإبقاء على هيمنته المطلقة على إمبراطوريته. رغبة قسطنطين هذه أدت إلى "إحكام
الطوق على النشاط الفكري والعلمي...
والحكم بالإلحاد على أفكار العلماء المارقين عن
الفكر الكنسي بكل تفاصيله، وإبقائه رهيناً لموروثات كنسية مبهمة لا تعتمد على دليل
أو برهان"(5)، بل على رؤى ومنامات؛ إذ بحسب الموسوعات الغربية فإن اهتمام قسطنطين
بالمسيحية كان إثر رؤية رأى فيها الصليب يعانق الشمس إله الوثنيين، وسمع فيها صوت
المسيح يقول له: "إن الصليب سيكون سبباً لنصرك"(6).
وبناءً على هذه الرؤيا
المزعومة أخذ قسطنطين على عاتقه مهمة تنصير روما الوثنية، وإرساء دعائم للمسيحية
تحافظ على سطوة الإمبراطور، وتبقي له على ولاء شعبه، فكان أن نقل قسطنطين شعبه إلى
النصرانية، معتمداً رؤياه الوثنية المسيحية منهجاً، فحافظ لشعبه على رموزه الوثنية
ولكنه دمج معها الكثير من رموز المسيحية.
وتبرر موسوعة "إنسيكلوبيديا
إنترناشيونال" هذا الهجين الديني الذي صنعه قسطنطين، ولا تجد فيه غضاضة؛ لأنها ترى
أن مقتضى حال شعب روما فرض ذلك.
ومن المفارقات الطريفة جداً أن قسطنطين ظل على
الوثنية حتى مماته، إذ تقول موسوعة "إنسيكلوبيديا إنترناشيونال" إن قسطنطين عُمّد
قبل وفاته بفترة قصيرة. أما موسوعة "فنك وواجنال" فتشير إلى أن قسطنطين تم تعميده
وهو على فراش الموت.
ولعل تشكيك الموسوعتين في حقيقة تحول قسطنطين إلى المسيحية
وهو الراعي الأول للمسيحية المقننة، يقدح بلا شك في صورة المسيحية التي وضعها مجلس
قسطنطين المسكوني، ويثير علامات استفهام شتى حول الطريقة التي تم بها اعتماد أناجيل
دون غيرها.
هذه الطبيعة الوثنية بالغة البعد الزمني والفكري عن عهد ومنهج المسيح
عليه السلام تبقي الباب مفتوحاً أمام من يريد أن يناقش بعلمية كل إنجيل جديد مكتشف.
فحتى لو كان القانون قد حُدد والأناجيل قُررت، إلا أن كيفية الاعتماد والتوثيق تلك
تبقى دون أسس واضحة وتبقى مثيرة للشك، ويزيدها ريبة أن تحول قسطنطين عن الوثنية هو
أمر مشكوك فيه أصلاً، وتدور حوله روايات متضاربة، ولهذا فعند اكتشاف إنجيل أو مخطوط
مسيحي جديد لا يتم رفضه مطلقاً، بل يتم وضعه تحت البحث والتقصي الجدي من قبل كثير
من الأوساط النصرانية العلمية.
ولو كان الإنجيل المعتمد اليوم هو الإنجيل الفصل
لحدث إجماع كنسي على رفض كل إنجيل جديد، ولكان منهج الكنيسة في الرد منهجاً علمياً
موثقاً بعيداً عن الفلسفة.
أناجيل جديدة: في بدايات القرن الثامن عشر أعلن في
دولة بروسيا (من دول الاتحاد السوفييتي السابق) عن اكتشاف إنجيل برنابا. ومع أن
روايات هذا الإنجيل تشابه الروايات الموجودة في الأناجيل الأربعة المعتمدة، وعلى
الرغم من اعتراف الكنيسة بأن برنابا هو أحد تلامذة المسيح الخلص، إلا أن نصوص إنجيل
برنابا الصريحة التي تؤكد بشرية المسيح عليه السلام(7)، وتبشر بقدوم محمدصلى الله
عليه وسلم(، جعلت الكنيسة تعاديه وتتهمه بالنوسطية والهرطقة. بل وذهب الإفراط
بالكنيسة إلى حد الزعم بأنه إنجيل مزور كتبه المسلمون ونسبوه لبرنابا كي يفرضوا
نظرة العقيدة الإسلامية والقرآن على النصرانية(9).
وبعد اكتشاف "إنجيل برنابا"،
وفي عام 1945م اُكتشفت "وثائق نجع حمادي"، التي كانت عبارة عن 52 نصاً مقدساً
مكتوباً على 13 ورقة بردي. وكما هو الحال مع إنجيل برنابا، فإن "وثائق نجع حمادي"
قوبلت برفض الكنيسة أيضاً واتهمتها بالنوسطية. أما آخر الأناجيل اكتشافاً، فهو
"إنجيل يهوذا الإسخريوطي"، الذي كشف الستار عنه بعد ترجمته للإنجليزية منذ شهور
قليلة فقط، كسابقه من الأناجيل المكتشفة، واتهم أيضاً بالنوسطية!
النوسطية ورجال
الدين
الدين
تعرف CARM (10) النوسطية (مأخوذة من الكلمة
اليونانيةGnosticism التي تعني "المعرفة")، بأنها حركة علمية تؤمن بأن نجاة وخلاص
الإنسان يكون عن طريق وصوله لمعرفة خاصة واتصال مباشر بالله وليس عبر الإيمان بأن
الخلاص كان وسيبقى مرتبطاً بفكرة المسيح المصلوب.
ومع أن الفلسفة النوسطية
تنطوي على الكثير من المعتقدات الخاطئة إلا أن ما يثير الكنيسة ضد النوسطية حسب
CARM هو "أنها تنفي حلول الله في ولده"، أي أنها تنفي أن يتجسد الله في شخص المسيح
عليه السلام، فبالنسبة للنوسطيين فإن المسيح عليه السلام هو "أساساً معلم وكاشف
لحقائق وحكم، وليس مخلصاً يُصلب ليكفر عن خطايا العالم"(11).
هذا، ولا يمكن
تحديد تاريخ ظهور النوسطية تماماً، فبحسب الموسوعة الكاثوليكية(12)، فإن النوسطية
حركة ظهرت قبل ظهور المسيحية وكانت متأثرة بالفلسفة الأفلاطونية. وبحسب مكتبة
الجمعية النوسطية(13)، فإن النوسطية المسيحية ظهرت على يد فالانتينوس في القرن
الأول بعد الميلاد، وظلت تقوى كحركة علمية، إلى أن أحكم رجال الدين المسيحيون
قبضتهم عليها بعد انعقاد المجلس المسكوني الأول في روما في عام 325م، الذي حدد شكل
المسيحية كما جرى ذكره.
النوسطيون الرافضون لسيطرة الكنيسة ولفكرة الخلاص عن
طريق الإله الرب نشروا خفية أناجيل غير التي اعتمدتها الكنيسة، كإنجيل بيتر وفيليب
وتوماس وغيرها، وحين بدأت الكنيسة تطاردهم أخذت حركتهم الدينية الفلسفية بالتلاشي،
وصار كل ما يصدر عن المسيحية ولا يوافق أهواء الكنيسة ينعت بالنوسطية.
إنجيل يهوذا وتناقضات
المسيحية
المسيحية
جدير بالذكر هنا أننا حين نتناول أياً من
الأناجيل بالطرح، سواء "إنجيل برنابا" أو "إنجيل يهوذا"، فإن هذا لا يعني أننا
نعتقد بأن كلمة الله التي أنزلها على عيسى عليه السلام صارت بين أيدينا اليوم؛
فكتاب الله المنزل لا يروى على ألسنة البشر، وإن كانوا تلامذة المسيح عليه السلام،
فلا يكتب الإنجيل أو يرويه لا يوحنا ولا لوقا ولا مرقص ولا متى ولا حتى برنابا. ومع
أن في الأناجيل ما يمكن أن يتوافق مع النظرة الإسلامية للتاريخ وللإيمان، إلا أن
فيها أيضاً ما يقدح في مصداقيتها قدحاً ننزه عنه الكتب السماوية
أجمع. ف"إنجيل
برنابا" مثلاً، وإن أشار صراحة إلى قدوم نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم،
فهو يؤكد قصة صلب المسيح، أما "إنجيل يهوذا" فيحوي من الروايات كغيره من الأناجيل
ما يمكن أن يرقى لمرتبة الأساطير فيما يتعلق بالخلق. فالقارئ سيذهل وهو يقرأ في
الإنجيل صور خالق هذا الكون. فهو بداية (ملاك يخلق نفسه، ثم يخلق أربعة من
الملائكة، وتارة ملاك يخلق ملكين أحدهما "نيبرو" الذي يخلق العلم السفلي، و"ساكلاس"
الذي يخلق ملائكة لتخلق بشراً بهيئته وصورته) حاشا لله، وتعالى عن ذلك التشبيه
علواً عظيماً(14).
ومن اللافت للنظر أن مشكلة الكنيسة مع إنجيل يهوذا لا تكمن في
كونه مليئاً بمثل هذه الأساطير الرومانية الوثنية؛ لأن مثل هذه الأساطير تملأ
الأناجيل المعتمدة أصلاً، ولكنها تكمن في أن هذا الإنجيل يعرض قصة جديدة عن يهوذا
وعن الصلب تتعارض إلى حد ما مع ما يعرض في الأناجيل المعتمدة. فعلى عكس تلك
الأناجيل التي يصور فيها يهوذا على أنه الحواري الخائن
الذي تآمر مع اليهود ودلهم
على عيسى عليه السلام ليصلبوه، فإنه في الإنجيل الجديد حواري متعطش للمعرفة، كثير
السؤال طلباً للعلم، ومقرب من المسيح عليه السلام لدرجة أن المسيح يخبره مسبقاً
بأنه (يهوذا) سيكون أداة الله التي ستنفذ مشيئته المتمثلة في تسليم المسيح لليهود
ليصلبوه، وأن يهوذا سوف يعاني جراء هذا الفعل ويظلم من قبل الآخرين: "سوف تصبح يا
يهوذا الرسول الذي سيلعنه الجميع؛ لأنك ستضحي بهذا الجسد الذي يغطيني... ستلعنك
أجيال أخرى، ولكنك سوف تحكمهم وسوف تصل إلى ما تريد، ولكنك ستعاني كثيراً"(15).
ومع تحفظنا الشديد نحن المسلمين حيال الرواية بأكملها، فإنها لو اعتمدت سوف تهز
من كيان الكنيسة؛ لأنها أولاً ستسقط تهمة الخيانة عن يهوذا، الأمر الذي يخالف
الأناجيل المعتمدة تماماً، ولأنها ثانياً تدعو وتشرع كثرة السؤال وتقصي المعارف
(النوسطية)
الأمر الذي حاربته الكنيسة حتى فصلت عن الدولة، وأهم من ذلك كله أن
رواية يهوذا للإنجيل تغير المعنى المرتبط بصلب المسيح الذي فرضته الكنيسة على
أتباعها، ويتمثل في فكرة أن الرب ابن الرب صلب كي يكفر عن أخطاء الخلائق، منذ خطيئة
آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة، وما على الإنسان إلا أن يتقبل هذا الأمر حقيقة
مطلقة لا يناقش فيها ليصل للمغفرة والخلاص وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم(النساء:157).
أما في إنجيل يهوذا فإن المسيح يصلب ليتخلص من جسده ويحرر روحه فقط، وكما يقول أحد
نقاد هذا الإنجيل "فإن موت عيسى عليه السلام لا علاقة له بخلاص البشرية، وإنما هو
مثال فقط للكيفية التي تتحرر فيها النفس من عبودية الجسد"(16)، وبما أن صلب المسيح
لن يعني الخلاص والمغفرة بعد إنجيل يهوذا، فلذلك على المؤمن أن يفكر بطريقة "أخرى
للخلاص غير تلك الطريقة تفرض الإيمان بصلب المسيح وقيامته"(17)،
والطريقة الأخرى لا
تكون إلا بالبحث والمعرفة والوصول لحقيقة غير تلك التي تفرضها الكنيسة، وسيقود هذا
البحث إلى إعادة مسألة الكنيسة عن حقيقة صلب الرب (في زعمهم الكاذب)، وعن حقيقة كون
عيسى رباً أصلاً، وهذا يعني بالطبع التشكيك في أساس المعتقد النصراني المتمحور حول
الحقيقة الكاذبة بأن المسيح ابن الله الذي صلب ليكفر عن أخطاء البشر.
وحري
بالذكر هنا أن التضارب والتناقض المتعلق بقصة صلب المسيح عليه السلام كما يؤمن بها
النصارى ليست حصراً على ما وجد من أناجيل جديدة اتهمت بالهرطقة والنوسطية كإنجيل
يهوذا، بل على العكس، حتى الأناجيل المعتمدة لها روايات مختلفة فيما يتعلق بهذه
القصة المحورية وغيرها.
يقول دينيس نينهام مترجم إنجيل مرقس: "ليس لدينا أي
مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين"، ويستعين بما ذكره قس آخر عن مخطوطات
الأناجيل، وأن بها خمسين ألف اختلاف، فيما قال كريسباخ بأنها مائة وخمسين ألفاً،
وتؤكد ذلك دائرة المعارف البريطانية بقولها: "إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد
الجديد، التي تغطيه كله تقريباً تظهر أكثر من مائة وخمسين ألفاً من الاختلافات بين
النصوص"(18).
إن عدم الرفض الحاسم والقاطع لإنجيل يهوذا في الكثير من الأوساط
المسيحية يعود إلى تعدد روايات الإنجيل، وإلى الطريقة التي اعتمدت بها أناجيل دون
أخرى؛ ولهذا فإن رجال الدين النصارى يلجؤون للهجة الفلسفية في الرد على مسألة
مسيحية قامت على أسس علمية وعمدت للمقارنة حتى الوصول للنتيجة. ففي معرض حديثه عن
إنجيل يهوذا لم يكن لأسقف كانتربري رد شاف على الفكرة الجديدة التي يطرحها الإنجيل،
فعظة عيد الفصح التي ألقاها في 16-4-2006م، تناولت الإنجيل بلغة أبعد ما تكون عن
الموضوعية، تصف من كتب عن "إنجيل يهوذا" بالباحث عن الشهرة، وتشبه الإنجيل الجديد
برواية شيفرة دافنشي، وذلك بسبب الأفكار المثيرة التي طرحها، وسماها القس
مؤامرات(19).
هذه اللاموضوعية التي لجأ إليها الأسقف في عظة الفصح تشابه إلى حد
كبير ما جاء على ألسنة رجال الدين النصاري في معرض الرد على رواية شيفرة دافنشي،
التي أثارت الشارع المسيحي بما فيها من حقائق تاريخية تتعلق بالمسيحية وتنافي ما
تنشره الكنيسة(20)، ففي الوقت الذي ردت فيه الموسوعات على الحدث التاريخي بحدث
تاريخي مماثل، فإن ردود رجال الدين النصارى عن التساؤلات حول الرواية جاءت بلهجة
فلسفية بلاغية بعيدة عن العلمية، كالقول بأن الحتمية نقيض للإيمان(21)، الذي يعني
أنه طالما تمكن الشك من قلبك وبدأت تسأل فأنت مؤمن، وفيما سوى ذلك من الحالات فأنت
لست كذلك!
ولا يخفى على القارئ أن تبني فلسفة هكذا كمدخل للرد على تساؤلات
الحيارى هو خير فكرة يمكن أن يتناولها رجال الدين النصارى؛ لأنها الحل الوحيد حيال
عدم امتلاكهم مادة للرد على الحدث بتاريخيته وعلميته بتاريخية وعلمية مماثلتين،
ولذلك فهم يدخلون مستمعهم في متاهة عبثية تحاول بلا منطقية متناهية إقناعه أن ما في
داخله من شك تجاه الدين المسيحي معناه أنه مؤمن، ف "الشك" كما يقولون بتناقض كبير
"أرض خصبة للإيمان"؛ ولهذا من وجهة نظرهم: إن كان الإيمان بأن عيسى المسيح إله بشكل
كامل وإنسان بشكل كامل هو أمر صعب الفهم فعلاً وحقيقة متناقضة، ولكن هذا التناقض من
وجهة نظرهم هو صميم الإيمان. ويؤكدون وبعبثية شديدة أن التناقض والغموض اللذان
اختارتهما الكنيسة كمسلك لها هما أفضل الطرق وأكثرها قوة في إيصال رسالة
الكني
http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?t=210&highlight=%E3%E4%DE%D0+%C7%E1%D3%DE%C7%D1